قبل أسابيع من اليوم، رأيت الدكتور عبد السلام ولد حرمه رئيس حزب الصواب في مسجد فسلمت عليه بعد الصلاة ثم سألته عن أخيه العقيد إدومو الذي كان يتابع دورة عليا في إيطاليا آنذاك. ولم أكن أتوقع أن لقائي التالي مع الدكتور عبد السلام كان في بيت إدومو، معزيا فيه.
أي ألم يعتصر القلب حين نفارق من نحبه ونقدره، فجأة، فيتحول التشوف للقائه وأمل الفرحة بقدومه إلى ألم البكاء عليه؟ تلك كانت حالي مع المرحوم إدومو ولد حرمه الذي لم تتح لي فرصة لقائه منذ قرابة العام والذي ذهب عن هذه الدار، أول أمس، قبل أن أقول له كم أنا مقدر له، معترف بفضله، شاكر حسن معشره غير ناس ما أولانيه من إكرام وتقدير منذ عرفته. وإن النفس لتذوب حزناً حين تتذكر أن إدومو قد توفي مع والدته وابن خاله في نفس السيارة.
وما أظن المقادير إلا حلت إدوم حسنة أخرى قبل مماته فجنبته وهو البر بوالدته المتحري مواضع رضاهما أن يكسر قلبهاَ حزناً عليه بعد موته وجنبت تلك السيدة الفاضلة العابدة سليلة آل بلعمش الكرام، عبئا كعبء مكابدة رزية إدومو. وعسى الذي أحسن إليهما في الحياة أن يحسن إليهما بعد الممات وأن يدخلهما وابن عمهما محمدي ولد عبيد ولد حرمه الدرجات العلى من جنته.
عرفت المرحوم سنة 1989 في المدرسة العسكرية في أطار حيث حل محل المرحوم العقيد محمد لد جدو قائداً لفصيلتي فصيلة الطلبة الضباط الأولى. كنا شبابا متفاوتي الأعمار والتجارب الحياتية وجمعتنا الحياة العسكرية.
ولم يكن إدومو أسن من بعضناَ كثيراً. لكنه كان أكبر مناَّ جميعاً بعقله وأخلاقه وحسن معاشرته وسعة صدره. كان قائداً ومعلماً وأخاً. وكان يزداد في نفسي منزلة يوماً بعد يوم وتتوطد علاقتي به حتى لكأني عرفته منذ الأزل.
كان إدومو قارئاً نهماً، وكان كاتباً، وكان مثقفاً، وكان حافظاً للأشعار، قارضاً للشعر الحساني، سريع البديهة ولا تكاد تأخذ معه في فن إلا خلت أنه لاَ يعرف غيره. وكان فتى. وكان سمحاً وكان جواداً لا يليق شيئاً. وكان رحمه الله نسيج وحده شهامة ومروءة وبعداً عن مواقع الريبة، صحيح الدين، نظيف اليد، نقي العرض.
وليس العجب أن لا يعيش إدومو أطول مما عاش بل العجب كيف عاش هذا العمر كله. ولو لم يكن من دليل على إسراع الموت في خيار الناس إلا انتقاؤه إدومو لكفى.
عليك سلام الله وقفاً فإنني
رأيت الكريم الحر ليس له عمر
وأقول لآل حرمة ولآل بلعمش الكرام: صبراً إن الكرام بنواْ على الصبر. وإن بيوتاً كهذه لأولى الناس بالصبر عند العظائم والثبات عند الملمات فمنكم تتعلم الفضائل وبكم يتأسى عند الشدائد.
وإن مصابكم مصاب وطننا كله ولو تقوسمت الأحزان على قدر مصابكم ما كنتم إلا كغيركم من بني وطنكم فما منهم إلا حزين مغموم يردد بلسان الحال:
لئن أُلبست فيه المصيبةَ طيءٌ
فماَ عَريت منهاَ تميمٌ ولاَ بَكرُ
إن المؤمن مصاب وإنماَ على قدر الإيمان يأتي الامتحان. وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه”. فالصبر الصبر الصبر.
وعسى الذي فجعنا في هؤلاء الأحبة أن يكتبناَ جميعاً من الصابرين الذين نص عليهم في كتابه المبين وصلى عليهم وشهد لهم بالهداية فقال جل من قائل: ” أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (البقرة،157).
العقيد محمد المختار ولد محمد ولد بيه
نواكشوط، السبت 31 أغشت 2