ولد الغزواني رجل غامض كعتمة ليالي جمادى الليلاء، صبورٌ كجمل في صحراء مجدبة، عظيم التحمّل كسكة حديد، كتومٌ كما يكتم الموتى أسرار القبور.. و لهذا لم يتأتَ لنا أن نعرف عنه إلا أنه يأكل المشوي في الليل و النهار..
الرجل سيتربع على كرسي الرئاسة بعد أقل من أسبوعين، و سيدلف لمغارة لا يبصر فيها القطا مواقع نعله، و يلج في مبهمة نهارها أظلم من ليلها، و ستفلت منه أعصابه الصُّم في اليوم مليون مرة، قبل أن تنجلي دهشته، و يحيط به “أحمدواهيون” إحاطة سوار بمعصم، فينفثون في روعه أنه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ البشرية، و أنْ قد أتاه الناموس الذي كان يأتي العظام من أمثال جورج واشنطون و تشرشل و شارل ديغول، فينفش ريشه كطاووس سيريلانكي، و تتفتق شخصيته عن أخرى، تملك عصمة نبي و كمال مَلَك.
ستتشكل بطانة السوء من الأقارب و المقربين و الأصهار و الأصدقاء، و سيأخذون بمجامع قلب الرجل و عقله، و سيلوّنون عيونه بألوانهم، فلا يرى غيرها، و يشنفون سمعهم بأهازيجهم و ترانيمهم، فلا يسمع سواها، و سيستحيل الحَمَل الوديع أطلسَ عسّالاً، فتنبت لعيون ورده أسناناً، و لغدائر عذارى حورياته قروناً.
لا يمكن لرئيس أن لا يتأثر بمحيطه.. و لهذا ينبغي أنه يحيط نفسه، بمن يمحضون له النصح، و يخلصون له الولاء، و لكنهم يطلعونه على الحقيقة كاشفة كالشمس رأدَ الضحى، فيقولون له ما يجب أن يسمع لا ما يريد سماعه.
ينبغي للرئيس أن يزرع من حوله الحب و الاحترام، لا أن ينشر في فريقه الخوف و التنافس السلبي الذي يذكي أُوار النمائم و الوشايات، فتخبو روح الفريق و تموت نفس التكامل.
لا يحتاج ولد الغزواني لخدمات أحميده ولد أباه، فالتنصت على المواطنين، و تسجيل مكالماتهم، و نقل ثلب الثالبين و شتم الشاتمين لسمع الرئيس، فيلقى الناس وغِر الصدر عليهم، و يقابلهم متقد الإحنَة ملتهب الدخيلة، لا يساعده في شيء.. فالكريم أصمّ عن الخطَل، أعمى عن الزلل..
على ولد الغزواني أن يمسح طاولة نظام ولد عبد العزيز، و أن ينضحها بأُشْنان. و أن يختار فريقاً ذا كفاءة و مصداقية في إدارة شؤون البلاد، و أن يبتعد أكثر عن الأسماء المُبغضّة من أمثال ولد اجاي و ولد حدمين و ولد عبد الفتاح و ولد محم.. و أن يبتعد عن الإعلاميين المطبلين الذين يتهافتون كالذباب على كل طبق عسل، و يخلقون العداوات أكثر من الصداقات، و يعيشون على تأجيج صراعات وهمية مع خصوم افتراضيين.
يعرف ولد الغزواني أكثر من غيره أن ولد عبد العزيز ظلم كثيرين، و استخدم هراوة القانون و القضاء للانتقام منهم، فواجبه أن يرفع عن هؤلاء الظلم، و أن يعاملهم بعدالة و إنصاف. فيشعر كل مواطن بمناخ وطني جديد، تبوأ فيه عَرار بكَحل، و تتكافأ فيه الدماء و تتساعى الذمم.
لقد تم انتخاب ولد الغزواني (رغم تحفظي على طريقة انتخابه) ليكون رئيسا للدولة، لا صديقاً لولد عبد العزيز، فمصالح موريتانيا و واجب انتشالها من الجرف الذي تردت فيه خلال حكمه، أولى من مراعاة خواطر صديقه الملاطف.. فحين تتعارض مصلحة البلاد مع واجب الصداقة، و هو تعاوض حتمي، فليشرق النذل ولد عبد العزيز بدم الوتين.!
يعتقد أغلب الموريتانيين، حتى من المحللين السياسيين، المطلعين على خفايا و خبايا المشهد السياسي، أن ولد الغزواني هو صنيعة ولد عبد العزيز و فصّ خاتمه، و يظنون أن عزيزاً سيظل الحاكم الفعلي للبلاد من خلال دمية ماتروشكا، لن تهز له رأسها عرضاً، و من واجب ولد الغزواني إن أراد أن يخلص له حكم البلاد، أن يمحو هذه الفكرة من الأذهان، و إلا فلن يقتنع به حتى زيدان و بنه ولد الشنوفي و محمد الأمين ولد الداده.. و أكبر خطأ سيقع فيه ولد الغزواني هو تعيين محسوبين على عزيز، في حكومته الأولى، و السماح بما يفهم منه ولو من خلف سجف شفاف أن لولد عبد العزيز سلطةً عليه أو سطوةً.. عندها سيولي الناس وجوههم شطر ولد عبد العزيز و يقولون “إنه الرئيس الفعلي”.. فالأحمدواهيون لا يحبون الظلال و أهرام الورق.. و قد ضاق زمانهم عن الشرب بكاسات صغار.
حين تترسخ في الأذهان فكرة “ظل الرئيس” عن ولد الغزواني، فسيتعذر عليه بعد ذلك إقناع الناس بعكس ذلك.. و سيتاح لولد العزيز أن يلعب الدور الذي لعبه مع سيدي ولد الشيخ عبد الله.
و كل الأمور ستتحدد من البداية، فالسلطة لا تنتزع حين تعطى..
آلووو.. هل تسمعني جيداً عزيزي غزواني.!